ولا دليل على اختصاص الآيتين بالمغازي والحروب ، بل إطلاقهما يدلّ على كونهم منصورين وغالبين في جميع مواقع المقابلة ، سواء أكانت محاجة أو تحدّياً بالإعجاز ، أو حرباً وغزواً .
وهذا الفعل العظيم للنفوس ، إنّما يقع بأمره تعالى وتأييده ، ولذا كانت تحصل لهم الغلبة في موارد المجابهة ؛ قال تعالى : ( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ، إِنَّ اللَّـهَ سَيُبْطِلُهُ ، إِنَّ اللَّـهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) (١) .
فهذه الآيات العامة المتقدمة ، تدلّ بظهورها على كون الفاعل للمعاجز والكرامات ، نفوس الأنبياء وأرواحهم ، بإذن الله سبحانه .
وهناك آيات أخرى خاصة ، تسند إلى خصوص بعض الأنبياء خوارق العادة ، بل ائتمار الكون بأمرهم .
قال تعالى : ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ، وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ ) (٢) .
وأنت إذا أمعنت في قوله : ( بِأَمْرِهِ ) ، ينكشف لك الستار عن وجه الحقيقة ، ويظهر لك أنّ إرادته كانت نافذة في لطائف أجزاء الكون .
وقال تعالى في المسيح عيسى بن مريم : ( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّـهِ ، وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ ، وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللَّـهِ ) (٣) .
ويقول تعالى أيضاً : ( وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ، فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ، وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ، وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ) (٤) .
فترى أنّ الآية تنصّ على أنّ نفخ الروح في الهيكل الطيني للطير ، رهن طاقة
__________________
(١) سورة يونس : الآية ٨١ .
(٢) سورة الأنبياء : الآية ٨١ .
(٣) سورة آل عمران : الآية ٤٩ .
(٤) سورة المائدة : الآية ١١٠ .