الجهة الرابعة
هل الإعجاز يضعضع برهان النظم ؟
إنّ برهان النَّظم من أوضح الأدلة على أنّ العالم مخلوق لصانع عالم قادر . حيث إنّ النظام الدقيق السائد على كل ظاهرة وجزء من ظواهر الكون وأجزائه كاشف عن دخالة قدرة كبرى وعلم عظيم في تحققه وتكوّنه . هذا من جانب .
ومن جانب آخر ، إنّ المعجزات ـ كما تقدّم ـ خارقة للعادة والسنن السائدة في هذا النظام ، فهي تعدّ استثناء فيه ونوع مخالفة له . فالوليد الإنساني ـ مثلاً ـ يتكوّن بعد التقاء نطفة الرجل وبويضة المرأة ، فتتشكل منهما الخلية الإنسانية ، ثم تمرّ بعد ذلك بمراحل التفاعل والتكامل ، ليخرج بعدها من بطن الأم موجوداً سويّاً متكاملاً .
والقول بأنّ المسيح ـ عليه السلام ـ ولد بلا سيادة هذا النظام ، بل بمجرد نفخ المَلَك في رحم مريم ـ عليها السلام ـ خرق لذاك النظام ، وهو كاشف عن عدم كليته واطراده . أفبعد ذلك يمكن أن يستدلّ ببرهان النظم على وجود الصانع ؟ .
وبعبارة ثانية : إنّ النظم السائد على العالم كاشف عن دخالة المحاسبة والتقدير في تكوّن كل شيء إنساناً كان أو حيواناً ، أرضياً كان أو أثيرياً . ولكن خلق الثعبان فجأة من الخشب اليابس ، وخروج الناقة من الجبل الصخري الأصم ، وما شابه ذلك ، ينفي وجود المحاسبة في تكوّن تلك الظواهر .