والجواب
إنّ المعترض لم يقف على أساس برهان النظم أولاً ، كما لم يقف على حقيقة الإعجاز وماهيته ثانياً . ولذلك اعترض بأنّ القول بالإعجاز يخالف برهان النظم .
أمّا الأول ، فلأنّ المعترض تصوّر أنّ برهان النظم يبتني على وجود نظم واحد بالعدد سائد على الجميع ، وقائم بمجموع الأشياء في العالم ، بحيث لو شوهد خلاف النظم في جزء من أجزائه لبطل البرهان ، بحكم كونه واحداً بالعدد غير قابل للانقسام .
ولكن الحقيقة خلاف ذلك ، فإنّ برهان النظم واحد بالنوع كثير بالعدد . فهو يتمثّل ويتجسد في كل ذرة خاضعة في ذاتها للنظام . فتكون كل ذرة باستقلالها حاملةً لبرهان النظم والدلالةِ على وجود الصانع القادر العليم ، من دون توقف في دلالتها على سيادة النظم في الذرّات الأخرى .
وفي الحقيقة ، إنّ برهان النظم يتكثر عدداً بتكثر الذرات والأجزاء والظواهر الخاضعة للنظام ، ولو فرض فقدان النظم في جزء وظاهرة ، أو أجزاء وظواهر ـ كما يدعيه المعترض في مجال الإعجاز ـ لكفى وجود النظم في سائر الأجزاء والظواهر ، في إثبات الصانع ، وإلى هذا يهدف القائل :
وفي كل شيء له آية |
تدل على أنّه واحد |
ففي كل خلية وعضو من الإنسان الواحد يتجسد برهان النظم ، ويتكثر بتكثرها . فكيف إذا لاحظنا مجموع البشر والمخلوقات والكواكب والمجرّات . وكما أنّ طغيان غُدَّة من النظام السائد على سائر الغدد في بدن الإنسان ، كما هو الحال في السرطان ، لا يضرّ ببرهان النظم القائم بهذا الإنسان ، فكذلك الخروج عن النظام في مجال الإعجاز ، لأغراض تربوية ، ولهداية الناس إلى اتصال النبي بعالم الغيب ، فإنّه لا يؤثّر شيئاً في برهان النظم من باب أولى .
وأمّا الثاني ، فلأنّ
الإعجاز ليس من الأمور المتوفرة في حياة الأنبياء ، بحيث يكون النبي مصدراً له في كل لحظة وساعة ويوم ، ويكون خرق العادة وهدم