الجهة الخامسة
الإعجاز والمتجددون من المسلمين
الإيمان بالغيب عنصرٌ أساسيٌ في جميع الشرائع السماوية ، ولو انتزع هذا العنصر عن الدين الإلهي ، لأصبح دستوره دستوراً عادياً شبيهاً بالدساتير والأيديولوجيات المادية البشرية التي لا تمت إلى الخالق والمدبّر لهذا الكون بصلة . ولأجل ذلك نرى أنّه سبحانه يَعُدّ الإيمان بالغيب في طليعة الصفات التي يتّصف بها المتّقون إذ يقول ـ عزّ من قائل ـ : ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ، وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) (١) .
وقد كان أصحاب الشرائع وأنصارها ، وفي مُقدِّمتهم علماء الإسلام ، محتفظين بهذا الأصل ، معتصمين به أشدّ الإعتصام ، مؤكّدين عليه غاية التأكيد ، باعتبار أنّه الفارق الجوهري بينها ، وبين الأنظمة البشرية .
ولكن ، من جانب آخر ، إنّ الحضارة المادية الحديثة ، اعتمدت على الحسّ والتجربة ، وأعطت كل القيمة والوزن لما أيّدته أدوات المعرفة المادية .
وقد أدهشت هذه الحضارة ، جماعة من المفكرين المسلمين ، فوجدوا أنفسهم في صراع عنيف بين الإيمان بالغيب ، باعتباره عنصرا أساسياً في الدين ، ومبادىء الحضارة المادية التي لا تَعْتَبِر إلّا ما كان قائماً على الحسّ والتجربة ، فمن
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٣ .