الجهة السادسة
دلالةُ الإعجاز على صدق دعوى النبوّة
صفحات التاريخ تشهد على وجود أُناس ادّعوا السفارة من الله والإنباء عنه ، عن كذب وافتراء ، ولم يكن لهم متاع غير التزوير ، ولا هدف سوى السلطة والرئاسة .
ومن هنا كان لا بدّ من معايير وضوابط لتمييز النبي عن المتنبيء ، ومن جملتها تَجَهّز المدّعي بالإعجاز ، وإتيانه بخوارق العادة ، متحدياً بها غيره على وجه لا يقدر أحد على مقاومته ، حتى نوابغ البشر .
ويظهر من الآيات الواردة في القرآن الكريم أن طلب الإعجاز دليلاً على صدق المدّعي ، كان أمراً فطرياً ، يطلبه الناس من الأنبياء عند دعواهم النبوّة والسفارة الإلهية ، ولأجل ذلك لمّا ادّعى « صالح » عليه السلام ، النبوّة ، قوبل بجواب قومه : ( مَا أَنتَ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا ، فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (١) .
وقد يخبر الأنبياء الناس بتجهزهم بالمعاجز عند طرحهم دعوى النبوة ، قبل أن يطلبها الناس منهم ، كما قال موسى مخاطباً الفراعنة : ( حَقِيقٌ عَلَىٰ أَن لَّا أَقُولَ عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ ، قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) (٢) .
__________________
(١) سورة الشعراء : الآية ١٥٤ .
(٢) سورة الأعراف : الآيتان ١٠٥ و ١٠٦ .