وكما جاء في عيسى المسيح عليه السلام ، من قوله تعالى : ( وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ) (١) .
ولكن الكلام في وجه دلالة الإعجاز على صدق قولِ المدعي ، فهل هو دليل برهاني بحيثُ يكون بين المعجزة وصدق المدّعي رابطةٌ منطقيةٌ ، تستلزم الأولى معها ، وجود الثانية ؟ أو هو دليل إقناعي ، يرضي عامة الناس وسوادهم ويجلب اعتقادهم بصدق دعوى المدّعي ؟ .
هناك من يتخيل أنّ دلالة المعجزة على صدق دعوى النبي ، دلالة إقناعية لا برهانية ، ويستدلّ هؤلاء المتوهمون ، على مقالتهم ، بأنّ الدليل البرهاني يتوقف على وجود رابطة منطقية بين المُدَّعَى والدليل ، وتلك الرابطة غير موجودة في المقام . إذ كيف يكون خرق العادة وعجز الناس عن المقابلة ، دليلاً على صدق المدّعي في كونه نبيّاً وحاملاً لشريعة إلهية . إذ لو صحّ ذلك لصحّ أن يقال : إنّ قيام الطبيب بعمليةٍ جراحيةٍ بديعةٍ ، دليلٌ على صدق مقاله في المسائل النجومية والفلكية . أو صدق تخطيطاته السياسية والاجتماعية . ومن المعلوم ، انتفاء الرابطة المنطقية بينها .
ولأجل ذلك ـ يضيف المتوهم ـ لا يدلّ قيام المسيح بإحياء الموتى وإبراء المرضى ، على صدق ما يدّعيه ، بدلالة برهانية . وإنّما يُكتفى به ، لأنّ مشاهدة هذه الأعمال العظيمة تجعل للقائم بها في نفوس الناس مكانةً عالية ، بحيث يأخذ مجامع قلوبهم ويستولي على ألبابهم ، فيقنعهم ، ويجلب يقينهم بصدق دعواه .
هذا ، ولكن الحق وجود الرابطة المنطقية بين الإعجاز ودعوى النبوة ، ويمكن إثبات ذلك ببيانين :
ويتّضح بملاحظة الأمور التالية ، التي يسلمها الخصم أيضاً :
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٤٩ .