من قِبَل الله تعالى إغراءً بالجهل وإشادةً بالباطل ، وذلك محال على الحكيم تعالى ، فإذا ظهرت المعجزة على يده كانت دالّة على صدقه وكاشفة عن رضا الحق سبحانه بنبوّته .
وهذه قاعدة مطردة يجري عليها العقلاء من الناس فيما يشبه هذه الأمور ، ولا يشكون فيها أبداً . فإذا ادّعى أحد من الناس سفارة عن ملك من الملوك في أمور تختصّ برعيته ، كان من الواجب عليه أولاً أن يقيم على دعواه دليلاً يعضدها ، حين تشكّ الرعية بصدقه ، ولا بدّ من أن يكون ذلك الدليل في غاية الوضوح ، فإذا قال لهم ذلك السفير : الشاهد على صدقي أن الملك غداً سيحييني بتحيته الخاصة التي يحيي بها سفراءه الآخرين ، فإذا علم الملك ما جرى بين السفير وبين الرعية ثم حيّاه في الوقت المعيّن بتلك التحية ، كان فِعْلُ الملك هذا تصديقاً للمدعي في السفارة .
ولا يرتاب العقلاء في ذلك ، لأنّ الملك القادر المحافظ على مصالح رعيته يقبح عليه أن يصدّق هذا المدعي إذا كان كاذباً ، لأنّه يريد إفساد الرَّعيَة » (١) .
يخبر القرآن الكريم عن أنّه سبحانه فرض على نفسه معاقبة النبي وإهلاكه إذا كذب على الله تعالى ، قال عزّ وجل : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) (٢) .
قال المحقق الخوئي : « المراد من الآية الكريمة أنّ محمداً الذي أثبتنا نبوّته ، وأظهرنا المعجزة لتصديقه ، لا يمكن أن يَتَقَوَّل علينا بعض الأقاويل ولو صنع ذلك ، لأخذنا منه باليمين ، ولقطعنا منه الوتين ، فإنّ سكوتنا عن هذه الأقاويل ،
__________________
(١) البيان في تفسير القرآن ، ص ٣٥ ـ ٣٦ ، الطبعة الثامنة ، ١٤٠١ هـ ـ بيروت .
(٢) سورة الحاقّة : الآيات ٤٤ ـ ٤٧ .