إنّ نَفْي الرابطة المنطقية بين الإتيان بالمعجزة وصدق الدعوى ، أمر يحتاج إلى التحليل ، فهو باطل على وجه وصحيح على وجه آخر ، وذلك بالبيان التالي :
إن كان المراد من قلب العصا ثعباناً ـ مثلاً ـ أنّه كالأوسط في القياس ، دليلٌ على صدق ما يدّعيه النبي من أنّه سبحانه واحدٌ ، عالمٌ قادرٌ ، ليس كمثله شيء . . فلا ريب في عدم صحته . إذ لا يمكن الإستدلال على صحّة هذه الأصول بالتصرف في الكون .
ولأجل ذلك لم يطرح القرآن أصول الإسلام مجردةً عن البرهنة ، بل قَرَنَها بلطائف الدلائل والإشارات ، يقف عليها كلُّ متدبّر في الذكر الحكيم .
فَيَسْتَدِلُّ في البرهنة على وجوده سبحانه بقول : ( أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ؟ (١) .
وفي البرهنة على وحدة المدبّر ، بقوله : ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا ) (٢) .
وفي البرهنة على إبطال أُلوهيةِ الأصنام ، بقوله : ( وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ ، وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ، وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ) (٣) .
وفي إبطال أُلوهية المسيح ، بقوله : ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ، وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ ، انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ) (٤) .
إلى غير ذلك من عشرات الآيات التي تَطْرَحُ الأُصول والعقائد ، بالبراهين
__________________
(١) سورة إبراهيم : الآية ١٠ .
(٢) سورة الأنبياء : الآية ٢٢ .
(٣) سورة الفرقان : الآية ٣ .
(٤) سورة المائدة : الآية ٧٥ .