الله». فخرج بلوائه معقودا ، فدفعه إلى بريدة ، وعسكر بالجرف.
ثم تثاقلوا هناك ، فلم يبرحوا ، مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم كقوله صلوات الله عليه وآله : «أغر صباحا على أهل أبنة». وقوله : «وأسرع السير لتستبق الأخبار» (١).
وقد أغضب النبيّ تثاقلهم ، حتى قال : «جهّزوا جيش أسامة ، لعن الله من تخلّف عنه» ، فقال قوم : «يجب علينا امتثال أمره ، وأسامة قد برز من المدينة» ، وقال قوم : «قد اشتدّ مرض النبي ، فلا تسع قلوبنا مفارقته ، والحالة هذه ، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره» (٢).
ثم إنّ من ذكر تخلّف القوم عن أسامة ، حاول تعليل تخلّف الصحابة ، فقال بأنّ الغرض منه إقامة مراسم الشرع في حال تزلزل القلوب ، وتسكين نائرة الفتنة المؤثرة عند تقلّب القلوب (٣).
فإذا صحّ هذا العذر ، فليصحّ مثله في حديث الغدير ، فإنّ القوم ـ أكثرهم لا جميعهم ـ ثقل عليهم إمامة علي بن أبي طالب الذي قتل من أبناء القوم وإخوانهم يوم بدر وحنين وغيرهما ، ما قتل ، فرجّحوا مخالفة الحديث حفظا للوحدة ، أو لغير ذلك من هذه المبررات ـ عند القوم ـ للاجتهاد تجاه النصّ.
كما أنّهم في نفس القضية ، طعنوا في إمارة أسامة ، طعنا عظيما ، وأقلّ ما قالوه ، إنّ النبيّ قد أمر شابا غير مجرّب على شيوخ القوم وأكابرهم!!.
٣ ـ صلح الحديبيّة واعتراض القوم
إنّ النبي الأكرم صالح قريشا في أرض الحديبيّة لمصالح عالية ، كشف المستقبل عنها بوضوح. ولما تمّ كتاب الصلح ، اعترض عليه لفيف من الصحابة ، حتى تصوّروا أنّه من باب إعطاء الدنيّة في طريق الدين.
__________________
(١) طبقات ابن سعد ج ٢ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٢.
(٢) الملل والنحل ، للشهرستاني ، ج ١ ، ص ٢٣.
(٣) المصدر سابق نفسه.