روى مسلم في باب صلح الحديبيّة أنّ عمر قال لرسول الله صلىاللهعليهوآله : «أو لسنا على الحق ، وهم على الباطل؟» قال رسول الله : «بلى». قال : «أو لسنا قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار»؟ قال : «بلى». قال : «ففيم نعطي الدّنية في ديننا ، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم»؟. فقال صلىاللهعليهوآله : «يا ابن الخطاب ، إنّي رسول الله ، ولن يضيّعني الله أبدا» (١).
فانطلق عمر ، ولم يصبر متغيظا ، فأتى أبا بكر فقال : يا أبا بكر ، ألسنا على حقّ وهم على باطل ، قال : بلى ، قال : أليس قتلانا في الجنّة وقتلاهم في النار. قال : بلى. قال : فعلى م نعطي الدنيّة في ديننا ، ونرجع ولمّا يحكم الله بيننا وبينهم. فقال : يا ابن الخطاب ، إنّه رسول الله ، ولن يضيّعه الله أبدا.
فلما فرغ رسول الله من الكتاب قال لأصحابه : قوموا فانحروا ، ثم احلقوا. قال الراوي : فو الله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات. فلما لم يقم منهم أحد ، دخل خباءه ، ثم خرج ، فلم يكلم أحدا منهم بشيء ، حتى نحر بدنه بيده ، ودعا حالقه ، فحلق رأسه. فلما رأى أصحابه ذلك قاموا ، فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعض (٢).
ولسنا بصدد استقصاء مخالفات القوم لنصوص النبي وتعليماته ، فإنّ المخالفة لا تقتصر على ما ذكرنا بل تربوا على نيف وسبعين موردا ، استقصاها بعض الأعلام (٣).
وعلى ضوء ذلك ، لا يكون ترك العمل بحديث الغدير ، من أكثرية الصحابة دليلا على عدم تواتره ، أو عدم تمامية دلالته.
والمشكلة كلّها في هذا الباب ، هي التعرّف على حكم الصحابة من حيث
__________________
(١) صحيح مسلم ، باب صلح الحديبية ، ج ٥ ، ص ١٧٥ ، والطبقات الكبرى لابن سعد ، ج ٢ ، ص ١١٤ حيث استغفر للمحلقين ورأى بعضهم غير محلق.
(٢) صحيح البخاري ، ج ٢ ، كتاب الشروط ، ص ٨١.
(٣) لاحظ كتاب النصّ والاجتهاد ، للسيد الإمام شرف الدين ، وهو كتاب ممتع ملئ بالأحداث التي قدّم فيها الاجتهاد الخاطئ ـ لا الصحيح فإنّه تبع النص ـ على النصّ النبوي الجليّ.