الأول ـ ما هو المراد من الإمامة في الآية؟
ذهب عدّة من المفسّرين منهم الرازي في مفاتيحه ، إلى أنّ المراد من الإمامة هنا ، النبوة ، وأنّ ملاك إمامة الخليل ، نبوّته ، لأنّها تتضمن مشاقّا عظيمة (١).
وقال الشيخ محمد عبده : «الإمامة هنا عبارة عن الرسالة ، وهي لا تنال بكسب الكاسب» (٢).
يلاحظ عليه : إنّ إبراهيم كان نبيّا قبل الابتلاء بالكلمات ، وقبل تنصيبه إماما ، فكيف يصحّ أن تفسّر الإمامة بالنبوّة على ما في لفظ الرازي ، أو بالرسالة ، على ما في لفظ المنار؟ ودليلنا على ما ذكرنا ، أمران :
١ ـ إنّ نزول الوحي على إبراهيم ، وجعله طرفا للخطاب بقوله : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) ، أوضح دليل على أنّه كان نبيّا متلقيا للوحي قبل نزول هذه الآية. وأسلوب الكلام يدلّ على أنّه لم يكن وحيا ابتدائيا ، بل يعرب عن كونه استمرارا للوحي السابق ، والمحاورة الموجودة بينه وبين الله تعالى ، حيث طلب الإمامة لذريته ، تناسب الوحي الاستمراري لا الوحي الابتدائي. وإن كنت في شكّ ، فلاحظ الوحي الابتدائي ، النازل على موسى في طور سيناء حيث خوطب بقوله :
(فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣).
٢ ـ إنّ الخليل طلب الإمامة لذرّيته ، ومن المعلوم أنّ إبراهيم كان نبيّا قبل أن يرزق أيّ ولد من ولديه إسماعيل وإسحاق ، أمّا أوّلهما فقد رزقه بعد تحطيم الأصنام في بابل ، وإعداد العدّة للخروج إلى فلسطين ، حيث وافاه الوحي
__________________
(١) مفاتيح الغيب ، للرازي ، ج ١ ، ص ٤٩٠.
(٢) المنار ، ج ١ ، ص ٤٥٥.
(٣) سورة القصص : الآية ٣٠. ولاحظ سورة العلق : الآيات ١ ـ ٥ ، فإنّها من الوحي الابتدائي ، وهي لا تشبه الخطاب الوارد في الآية الموجّه إلى الخليل.