ولعلّه لأجل ذلك يصف القرآن يوم البعث ب «المساق» ، و «الرّجعى» ، و «دار القرار» ويقول : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) (١) ، و (إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) (٢) ، و (إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) (٣).
* * *
الدليل السادس ـ المعاد مقتضى الربوبية
إنّ الربّ في اللغة بمعنى الصاحب ، يقال : ربّ الدّار ، وربّ الضّيعة. فالربوبية تحكي عن مالكية الرّبّ ، ومملوكية المربوب.
والعلاقة المتّسمة بالربوبية ، تقتضي كون المربوب ذا مسئولية أمام ربّه ، وأنّ الربّ لا يتركه سدى ، بل يحاسبه على أعماله ويجازيه بما أتى تجاهه ، وبما أنّ هذه المحاسبة لا تتحقق في النشأة الدنيوية ، فيجب أن يكون هناك نشأة أخرى تتحقق فيها لوازم الربوبية ، فلا معنى لربّ بلا مربوب ، كما لا معنى لمربوب يترك سدى ، ولا يحاسب على أعماله وأفعاله.
ولعله لهذا الوجه ، يركّز القرآن على كلمة الرّبّ في قوله : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (٤).
وفي قوله : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ، أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ) (٥).
وهذه الآية الثانية ، أصرح في المطلوب ، وهو أنّ كفرانهم بربّهم جعلهم
__________________
(١) سورة القيامة : الآية ٣٠.
(٢) سورة العلق : الآية ٨.
(٣) سورة غافر : الآية ٣٩.
(٤) سورة الانشقاق : الآية ٦.
(٥) سورة الرعد : الآية ٥.