التي كانت تدفع المشركين إلى إنكار المعاد ، ثم التعلل له بحجج واهية ، وإليك بيانها.
الباعث الأول ـ التحلل من القيود والحدود
إنّ الإيمان بالمبدإ ، والمعاد ، لا يتلخص في الإقرار اللساني ، بل المؤمن يحمل مسئولية خاصة أمام الله سبحانه في الحياة الدنيوية ، ولازم هذه المسئولية ، الالتزام بحدود وقيود ، تصدّه عن التحلل والإفراط في الملاذ والشهوات والانهماك في إشباع الغرائز الحيوانية. وقد كان الالتذاذ واتّباع الهوى ، غاية المنى لأكثر المنكرين ، وكان يسود عليهم سيادة الإله على خلقه ، قال سبحانه : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (١).
ولما كان الاعتقاد بالمعاد ، مناف لهذا المبدأ الحيواني ، أنكروه بحجج واهية يأتي الإشارة إليها ، ويشير الذكر الحكيم إلى هذا الباعث ، بقوله :
(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ* بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ* بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ* يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) (٢).
فالآية الأولى تذكر معتقدهم وإنكارهم ، والآية الثانية تذكر باعث إنكارهم ، وأنّه ليس هو ما يتظاهرون به من عدم إمكان جمع العظام ، وإنّما هو رغبتهم في أن يرفعوا كل عائق يحدّ من انغماسهم في الملذات ، وكل رادع يصدّهم عن إرضاء الغرائز البهيميّة. وقوله : (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ، بمعنى ليشقّ أمامه ، ولا يرتدع بشيء من القوانين والتشريعات.
الباعث الثاني ـ صيانة السلطة
إنّ السّنة السائدة عند أصحاب السلطة هي استعباد غيرهم واضطهاد حقوقهم ، كما أنّ السّنّة السائدة على المترفين في الحياة الدنيا ، هي الانهماك في
__________________
(١) سورة الفرقان : الآية ٤٣.
(٢) سورة القيامة : الآيات ٣ ـ ٦.