سنخ وجوده على طرف النقيض منها ، فليست المختبرات محلا وملاكا للقضاء بوجوده وعدمه.
ثم إنّ البحث العقلي ، في تجرّد الروح مترامي الأطراف مختلف البراهين ، اكتفينا بهذا القدر منه ، ومن أراد التبسّط فليرجع إلى الكتب المعدة لذلك (١).
* * *
٢ ـ القرآن وتجرّد النفس وخلودها
الآيات التي يستظهر منها خلود الروح وتجرّدها على قسمين : قسم يدلّ عليه بصراحة لا تقبل الإنكار ، وقسم آخر يستظهر منه ، وإن كان قابلا للحمل على معنى آخر ، وإليك نقل القسمين بإيضاح إجمالي :
القسم الأول من الآيات
(أ) يقول سبحانه : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ، وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها ، فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ ، وَيُرْسِلُ الْأُخْرى ، إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢).
والدلالة مبنية على إمعان النظر في لفظة التوفّي ، وقد عرفت أنّها بمعنى الأخذ والقبض ، لا الإماتة. وعلى ذلك فالآية تدلّ على أنّ للإنسان وراء البدن شيئا يأخذه الله سبحانه ، حين الموت والنوم ، فيمسكه إن كتب عليه الموت ، ويرسله إن لم يكتب عليه ذلك إلى أجل مسمى ، فلو كان الإنسان متمحضا في المادة وآثارها ، فلا معنى «للأخذ» و «الإمساك» و «الإرسال» ، كما هو واضح.
(ب) يقول سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً ، بَلْ
__________________
(١) لاحظ الإشارات للشيخ الرئيس ج ٢ ، ص ٣٦٨ ـ ٣٧١. والأسفار ، ج ٨ ص ٣٨. وأصول الفلسفة للعلامة الطباطبائي ، رحمهالله وترجمة الأستاذ دام حفظه ج ١ ، المقالة الثالثة ، ص ١٢٩ ـ ١٨٣. وفي هذا الأخير يجد المتتبع ضالته.
(٢) سورة الزمر : الآية ٤٢.