ومن هنا نرى أنّ الله سبحانه أحيى الموتى لإبراهيم الخليل ، وعزير ، وغيرهم كما سيأتي ، والغاية كانت إكمال مراتب اليقين ، أو إتمام الحجة على البعيدين عن هذه المعارف ، كما هو الحال في إحياء عيسى الموتى لبني إسرائيل ، وفيما يلي نورد هذه النماذج من القرآن الكريم.
١ ـ إبراهيم وإحياء الموتى
ذكر المفسرون أنّ إبراهيم عليهالسلام رأى جيفة تمزقها السباع ، فيأكل منها سباع البر ، وسباع الهواء ودواب البحر ، فسأل الله سبحانه وقال : يا ربّ قد علمت أنّك تجمعها في بطون السباع والطير ودواب البحر ، فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك؟
يقول سبحانه : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى ، قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ، قالَ : فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١).
وما ذكرنا من سبب النزول يكشف عن أنّه لم يكن غرض إبراهيم إحياء نفس فقط ، وإلا لكفى فيه إحياء طير واحد بعد إماتته ، وإنما لكان الغرض مشاهدة إعادة أجزاء كلّ طير إليه بعد اختلاطها بأجزاء الطيور الأخر ، وهذا لا يتحقق إلا بتعدد الطيور أوّلا ، واختلافها نوعا ، ثانيا ، واختلاطها بعد ذبحها ، ثالثا ، فلأجل ذلك ورد أنّه أخذ طيورا مختلفة الأجناس ، قيل إنها : الطاوس ، والديك ، والحمام ، والغراب ، فقطّعها ، وخلط ريشها بدمها ، ثم فرّقهن على عشرة جبال ، ثم أخذ بمناقيرهن ، ودعا هن باسمه سبحانه ، فأتته سعيا ، فكانت تجتمع ويأتلف لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه ، حتى قامت أحياء بين يديه.
وبذلك كمل إيمانه ، وتم إذعانه بأنّه سبحانه يمكن أن يعيد أجزاء بدن كل
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٦٠.