٢ ـ إحياء عزير
يحكي الذكر الحكيم أنّ رجلا صالحا مرّ على قرية خربة ، وقد سقطت سقوفها ، فتساءل في نفسه ، كيف يحيي الله أهلها بعد ما ماتوا؟ ، ولم يقل ذلك إنكارا ولا تعجّبا ولا ارتيابا ، ولكنه أحبّ أن يريه الله إحياءها مشاهدة ، مثل قول إبراهيم الذي تقدم ، فأماته الله مائة سنة ثم أحياه ، فسمع نداء من السماء : «كم لبثت؟» ، فقال : «لبثت يوما أو بعض يوم» ، لأنّ الله أماته في أول النهار ، وأحياه بعد مائة سنة في آخر النهار ، فقال : يوما ، ثم التفت فرأى بقية من الشمس ، فقال : أو بعض يوم. فجاءه النداء بل لبثت مائة سنة ، فانظر إلى طعامك وشرابك لم تغيّره السنون ، وقيل كان زاده عصيرا ، وتينا ، وعنبا ، وهذه الثلاثة أسرع الأشياء تغيّرا وفسادا فوجد العصير حلوا ، والتين والعنب جنيان لم يتغيّرا ، ثم أمر بأن ينظر إلى حماره كيف تفرقت أجزاؤه وتبدّدت عظامه ، فجعل الله سبحانه إحياءه آية للناس وحجة في البعث. ثم جمع الله عظام حماره وكساها لحما وأحياه.
يقول سبحانه : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ، قالَ : أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها ، فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ، قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ، قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ، وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ، وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ، قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).
والإمعان في قوله سبحانه : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) ، يفيد أنه أماته سبحانه ، ثم أحياه بعد تلك المدة.
كما أنّ الإمعان في قوله : (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ) ، سواء أريد منه عظام حماره أو غيره ، يفيد أنّه سبحانه كساها لحما ثم أحياه ، فكان هناك إحياء لميّتين.
وقد سلك صاحب المنار في تفسير الآية نفس المسلك السابق ، فحملها على
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٥٩.