أنّ المراد من الإماتة هنا السّبات ، وهو النوم المستغرق الذي سماه الله سبحانه : وفاة ، واستعان في تقريبه بأنّه قد ثبت في هذا الزّمان أنّ من الناس من تحفظ حياته زمنا طويلا يكون فيه فاقد الحس والشعور ، فلبث الرجل الذي ضرب على سمعه مائة سنة ، غير محال في نظر العقل (١).
يلاحظ عليه : إنّ تفسير الموت بالسّبات يحتاج إلى دليل ، والظاهر منه هو الإماتة الحقيقية.
وقياس المقام بأصحاب الكهف ، قياس مع الفارق ، حيث إنه سبحانه يصرّح هناك بالسّبات ، ويقول : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً) (٢) ويقول : (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ) (٣) ، بخلاف المقام.
على أنه لا يتطرّق في العظام التي أنشزها ، ثم كساها لحما وأحياها. فلا مصير لمفسّر كلام الله من الإذعان بالغيب ، والقدرة المطلقة لله جلّ وعلا. ومحاولة تفسير المعاجز بما ثبت في العلوم ، نوع انسحاب في الصراع مع الماديين المنكرين لكلّ ما لا يتّفق مع أصول العلم الحديث.
٣ ـ إحياء قوم من بني إسرائيل
ذكر المفسرون أنّ قوما من بني إسرائيل فروا من الطاعون أو من الجهاد ، لما رأوا أنّ الموت كثر فيهم ، فأماتهم الله جميعا ، وأمات دوابهم. ثمّ أحياهم لمصالح مذكورة في الآية التالية ، قال سبحانه :
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ ، حَذَرَ الْمَوْتِ ، فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ، ثُمَّ أَحْياهُمْ ، إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) (٤).
__________________
(١) المنار ، ج ٣ ، ص ٥٠.
(٢) سورة الكهف : الآية ١١.
(٣) سورة الكهف : الآية ١٨.
(٤) سورة البقرة : الآية ٢٤٣.