وهناك آيات تدلّ على أنّ انهدام النظام أمر حتمي يوم القيامة ، وهو موته وسيجيء الكلام فيه في المباحث الآتية.
* * *
الأمر الرابع ـ لما ذا يستوحش الإنسان من الموت؟
إنّ للإنسان علاقة شديدة بالبقاء ، وهي ميل طبيعي يحسّه بفطرته. وبما أنّ الموت يضادّ تلك النّغمة الفطرية ، فيجزع الإنسان العادي غير العارف بحقيقة الموت.
وعلى كل تقدير ، فالناس في الحياة الدنيا على قسمين ، قسم يستوحش من الموت ، ويتصوره شبحا مخيفا ، يريد أن يقطع أنياط قلبه ويفترس حياته ، وهؤلاء بين من يرى الموت آخر الحياة ونفادها ، ويتخيّلون أنّ الموت إبطال لذواتهم وشخصياتهم ، ومن يعتقد أنّ الموت نافذة للحياة الأخرى ، من دون أن يستعدوا لتلك المرحلة بصالح الأعمال ، بل أثقلوا كواهلهم بالمعاصي والذنوب ؛ فالموت عندهم سمّ يتجرعونه.
يقول سبحانه تنديدا باليهود : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (١).
وقسم آخر ، يشتاقون إلى الموت ويتلقونه بصدور رحبة ، ووجوه مشرقة ، لأنّهم يرونه انتقالا من حياة مرّة إلى حياة حلوة ، وهؤلاء هم الأنبياء والأولياء.
يقول الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام : «ولو لا الأجل الذي كتب عليهم ، لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب ، وخوفا من العقاب ، عظم الخالق في أنفسهم ، فصغر ما دونه في أعينهم».
__________________
(١) سورة البقرة : الآيتان ٩٤ ـ ٩٥ ، ولاحظ الجمعة : الآيتان ٧ ـ ٨.