ج ـ موت الفرد والمجتمع
إنّ للفرد شئونا من أوج وحضيض ، ورقيّ وهبوط ، وموت وحياة ، كما أنّ للمجتمع نفس تلك الشئون ، حرفا بحرف.
مثلا : إنّ الثورة نواة تنبت وتشتد وتستوي وتأخذ لنفسها حالة الهجوم والاندفاع ، ولا تبرح على تلك السّمة حتى تنتقل إلى حالة أخرى ، تأخذ لنفسها حالة الدفاع ، وردّ السّهام الموجهة إليها. ولن تبرح على تلك الحالة حتى ينجرّ أمرها إلى الانكسار والانقراض.
ونظير ذلك جميع الحضارات البشرية ، والمناهج الاقتصادية والسياسية الإنسانية ، فلكلّ منها حالات ثلاث : هجوم ، دفاع ، خمود.
فكما أنّ لكل فرد حياة وموتا وأجلا حسب القرآن ، كذلك إنّ للمجتمع حياة وموتا وأجلا.
يقول سبحانه : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ، فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ ، لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) (١).
ويعود القرآن ليبين ، عامل تدمير الحضارات والمجتمعات والأنظمة البشرية ، ويركز منها على الظلم بالأخص ، وعلى الإتراف ثانيا ، فالظلم خروج عن الحدّ الوسط ، والإتراف هو الانهماك في المعاصي ، وكلاهما يعجل في هلاك المجتمع واندثاره.
يقول سبحانه : (وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ) (٢). ويقول أيضا : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) (بالطاعة) (فَفَسَقُوا فِيها ، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ، فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً) (٣).
ويقول سبحانه : (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ، وَكَفى بِرَبِّكَ
__________________
(١) سورة الأعراف : الآية ٣٤. ولاحظ سورة يونس : الآية ٤٩.
(٢) سورة هود : الآية ١١٧.
(٣) سورة الإسراء : الآية ١٦.