لا في هذا العالم ، والتناسخية يقولون بقدمها ، وردّها إليها ، في هذا العالم ، وينكرون الآخرة والجنّة والنار ، وإنّما كفّروا من أجل هذا الإنكار» (١).
نفخ الصّور
إنّ الإنسان الذي يعيش في هذا الكوكب ، بالنسبة إلى المعارف الغيبية ، كالجنين في بطن أمّه ، فلو قيل له إنّ وراء الرحم أنجما وكواكب وشموسا وأقمارا ، وبحارا ومحيطات ، لا يفقه منها شيئا ، لأنّها حقائق خارجة عن عالمه الضيّق ، والإنسان الماديّ القاطن في هذا الكوكب لا يفقه الحقائق الغيبية الموجودة وراء هذا العالم ، فلأجل ذلك لا مناص له من الإيمان المجرّد من دون تعمق في حقيقتها ، وهذا أصل مفيد جدا في باب المعاد ، وعلى ذلك تبتني مسألة نفخ الصور ، فما هو المراد من الصور ، أهو شيء يشابه البوق المتعارف أو شيء غيره؟ وما هو المراد من النفخ؟ لا مناص لنا من الاعتقاد بوجوده وتحققه ، وإن لم نتمكن من التعرف على واقعيته ، ومع ذلك فلا بدّ أن تكون هناك حقيقة واقعية ، لها صلة بين نفخ الصور في هذا العالم ، ونفخه في النشأة الأخرى.
تدلّ الآيات على أنّ الإنسان يعيش في البرزخ إلى أن يفاجئه نفخ الصور ، فعند ذلك يهلك كل من في السموات والأرض إلّا من شاء الله ، يقول سبحانه : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٢). ففي النفخ الأول موت كل ذي حياة في السّماوات والأرض ، كما أنّ في النّفخ الثاني ، إحياءهم.
يقول سبحانه : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) (٣).
* * *
__________________
(١) نهاية العقول ، للرازي ، البحار ، ج ٦ ، ص ٢٧٨.
(٢) سورة الزمر : الآية ٦٨.
(٣) سورة يس : الآية ٥١. والآية ناظرة إلى النفخ الثاني.