«لا يبقى برّ ولا فاجر إلّا دخلها ، فتكون على المؤمن بردا وسلاما ، كما كانت على إبراهيم ، حتى أنّ للنار ضجيجا من بردهم ، ثم ينجّي الله الذين اتّقوا ويذر الظالمين فيها جثيّا» (١).
٧ ـ الأعراف
يقول سبحانه : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ* وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ ، قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ ، رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ ، قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) (٢).
الحجاب هو الستر المتخلل بين الشيئين يستر أحدهما من الآخر ، والضمير في قوله : (بَيْنَهُما) ، راجع إلى أصحاب الجنة والنار ، المذكورين في الآية المتقدمة.
والأعراف أعالي الحجاب والتلال من الرمل ، والعرف للديك ، وللفرس ، هو الشعر فوق رقبته ، وأعلى كل شيء ، ففيه معنى العلو ، والآية تدلّ على أنّ في أعالي الحجاب الذي بين الجنة والنار ، رجال يعرفون أهل الجنة والنّار بعلائمهم وهم مشرفون على الجانبين ، لارتفاع موضعهم. وظاهر السياق أنّ هؤلاء الرجال منحازون عن الطائفتين متمايزون عن جماعتهم ، فيكون بذلك أهل الجمع منقسمين إلى طوائف ثلاث : أصحاب الجنة ، وأصحاب النار ، وأصحاب الأعراف.
ثم إنّه وقع الكلام في معرفة من هم هؤلاء الرجال (٣) ، والتدبّر في الآيات يعطي أنّهم جمع من عباد الله من غير الملائكة ، هم أرفع مقاما وأعلى منزلة من
__________________
(١) الدر المنثور ، ج ٤ ، ص ٢٨٠.
(٢) سورة الأعراف : الآيات ٤٦ ـ ٤٨.
(٣) اختلف المفسرون في ذلك على اثني عشر قولا.