وقال الإمام الرازي : «أمّا القائلون بالمعاد الروحاني والجسماني معا ، فقد أرادوا أن يجمعوا بين الحكمة والشريعة فقالوا : دلّ العقل على أنّ سعادة الأرواح بمعرفة الله تعالى ومحبّته ، وأنّ سعادة الأجساد في إدراك المحسوسات ، والجمع بين هاتين السعادتين في هذه الحياة غير ممكن ، لأن الإنسان مع استغراقه في تجلّي أنوار عالم القدس ، لا يمكنه أن يلتفت إلى شيء من اللذات الروحانية ، وإنما تعذر هذا الجمع ، لكون الأرواح البشرية ضعيفة في هذا العالم ، فإذا فارقت بالموت ، واستمدت من عالم القدس والطهارة ، قويت وصارت قادرة على الجمع بين الأمرين ، ولا شبهة في أنّ هذه الحالة هي الحالة القصوى من مراتب السعادات» (١).
وقال الحكيم السبزواري : «القول الفحل والرأي الجزل ، هو الجمع بين المعادين : لأن الإنسان بدن ونفس ، وإن شئت قلت نفس وعقل ، فللبدن كمال ، ومجازاة ، وللنفس كمال ومجازة وكذا للنفس وقواها الجزئية كمالات وغايات تناسبها وللعقل والقوى الكلية كمال وغاية ، ولأنّ أكثر الناس لا يناسبهم الغايات الروحانية العقلية ، فيلزم التعطيل في حقهم في القول بالروحاني فقط ، وفي القول بالجسماني فقط يلزم في الأقلين من الخواص والأخصّين» (٢).
تحليل الملاكين في ضوء القرآن الكريم
إذا كان الملاك في توصيف المعاد بالجسماني أو الروحاني هو كون المحشور هو الجسم الحي وحده أو الروح وحدها ، فالقرآن الكريم يصدّق الأول وينكر الثاني ، وذلك أنّ من أمعن النظر في الآيات الواردة حول المعاد يقف على أنّ المعاد
__________________
فلا يثبته البرهان. ويؤيد ما ذكرنا أنّه يقول : «وهو الذي للبدن عند البعث وخيراته وشروره معلوم». فالشيخ الرئيس إنما رمي بذلك لعدم تفريقهم بين الملاكين في توصيف المعاد بالجسماني أو الروحاني ، فزعموا أنّ الملاك عنده هو الأول منهما وغفلوا عن أنّ الملاك هو الثاني منهما كما يعلم من التأمل في كلامه.
(١) شرح العقائد العضدية للمحقق الدواني ، ج ١ ، ص ٢٦٢ ـ ٢٦٣.
(٢) الأسفار ، ج ٩ ، ص ١٦٥ ، تعليقة المحقق السبزواري.