الأرواح إلى الأبدان في النشأة الأخرى ، لأنّ المفروض أنّ الروح تنتقل إلى الأبد من بدن إلى بدن ، بلا توقف ، فلا مجال للنفس لكي تبعث في النشأة الاخرى. ولعل أصحاب هذه النظرية ـ لقلّة تدبّرهم ـ حسبوا هذا النوع من الانتقال للنفس معادا لها ، فالمعاد عندهم هو انتقال النفس من بدن إلى بدن في هذه النشأة دون أن تكون هناك نشأة أخرى.
ويردّها أنّ النفس عند هؤلاء لا تخلو من إحدى حالتين : إما أن تكون منطبعة في البدن ، انطباع الأعراض في الجواهر ، والصور الجوهرية في المادة ، فهي ممتنعة الانتقال ، إذ الانطباع ينافي الانتقال ، والجمع بينهما جمع بين النقيضين ، فإنه يستلزم أن تكون النفس في حال الانفصال موجودة بلا موضوع ، ومتحققة بلا محل.
أو تكون مجرّدة تجردا تاما ، ومع ذلك تكون دائمة الانتقال في الأجسام من غير لحوق بعالم النور وهو باطل أيضا إذ العناية الإلهية ، تقتضي إيصال كل ذي كمال إلى كماله ، وكما النفس العلمي يتحقق بصيرورتها عقلا مستفادا (١) ، فيه صور جميع الموجودات ، وكمال العقل العملي يتحقق بالتخلية عن رذائل الأخلاق ، والتحلية بمكارمها. فلو كانت دائمة الانتقال ، كانت ممنوعة عن كمالها ، أزلا وأبدا ، والعناية الأزلية تأبى ذلك (٢).
وبعبارة أخرى : إنّ النفس الإنسانية مستعدة لإفاضة الكمالات عليها ، فحبسها في الصياصي البدنية في هذه النشأة ، وإيقافها عن الصعود إلى النشأة الأخرى ، يخالف الحكمة الإلهية المتعلقة بإبلاغ كل ممكن إلى غايته الممكنة.
* * *
__________________
(١) العقل المستفاد أحد مراتب العقل الأربعة المصطلح عليها في الحكمة النظرية : وهي عبارة عن : ١ ـ العقل الهيولاني ، ٢ ـ العقل بالملكة ، ٣ ـ العقل بالفعل ، ٤ ـ العقل المستفاد ، راجع في توضيحها شرح المنظومة للحكيم السبزواري ، قسم الطبيعيات ، مباحث النفس ، ص ٣٠٦ ـ ٣٠٧.
(٢) شرح حكمة الإشراق المقالة الخامسة ، الفصل الأول ، ص ٤٧٦. والأسفار ، ج ٩ ، الباب الثامن ، الفصل الثاني.