والنفس تعاضدا وانسجاما ، لكن ذاك الانسلاخ إما ناشئ من ذات النفس ونابع من صميمها ، وإما قد حصل بقهر من الله سبحانه. والأول لا يتصور ، لأن الحركة الذاتية من الكمال إلى النقص غير معقولة ، والثاني ينافي الحكمة الإلهية التي تقتضي بلوغ كل ممكن إلى كماله الممكن (١).
وبما أن القائلين بهذا النوع من التناسخ يخصّونه بالمتوسطين في الكمال والناقصين فيه ، دون الكاملين في مجالي العلم والعمل ، فهو على طرف النقيض من المعاد في الصنفين الأوّلين ، دون الصنف الثالث الذين لهم الحشر والانتقال إلى النشأة الأخرى دون التناسخ.
نعم ، المتوسطون والناقصون ـ بعد انتهاء دورة التناسخ وزمنها ـ ينتقلون إلى عالم النور فيكون لهم من الحشر ما للكاملين من أفراد الإنسان.
* * *
التناسخ الصعودي وانتقال النفس
ذكرنا أنّ أصحاب التناسخ الصعودي يقولون بأنّ تكامل النفس من بدء حدوثها يتوقف على ظهور الحياة في النبات لتكون نفسا نباتية إلى أن تنتقل إلى بدن الحيوان فتصير نفسا حيوانية ، ثم نفسا إنسانية ، وعندئذ يقع السؤال في حقيقة هذه النفس ، فنقول :
إن النفس الموجودة في الحيوان مثلا ، إما منطبعة انطباع النقوش في الحجر ، والأعراض في موضوعاتها ، والصور في محالّها ، فيكون انتقالها مستحيلا على ما مرّ ، أعني استلزامه أن تكون في آن الانتقال بلا موضوع ومحل.
وإمّا مجرّدة ، لها من الخصوصيات ما للنفوس الحيوانية ، فمن المعلوم أنّ النفس الحيوانية بما لها من الخصوصية يمتنع أن تتحول إلى النفس الإنسانية ، فإنّ كمال النفس الأولى عبارة عن القوة الشهوية وحسّ الانتقام ، وهما يعدّان كمالا
__________________
(١) ما ذكرناه تقريرا واضح لما أفاده صدر المتألهين ، في أسفاره. لاحظ الأسفار ، ج ٩ ، ص ١٦.