لنفوس الدواب والأنعام وأصلا عظيما للجسمانية والإخلاد إلى الأجساد. فلو تعلقت هذه النفس ـ بهذه الخصوصية ـ بالإنسان ، لوجب أن تنحط درجة إلى نوع نازل من الحيوان المناسب لهذه السجايا والغرائز. فإذا كان مقتضى الشهوة الغالبة أو الغضب الغالب ، شقاء النفس ونزولها إلى مراتب الحيوانات الصامتة ، التي كمالها في كمال إحدى هاتين القوتين ، فيمتنع أن يكون وجود هاتين القوتين وأفعالهما منشأ لارتفاع النفوس من درجتها البهيمية والسبعية إلى درجة الإنسان الذي كمال نفسه كسر هاتين القوتين. فتعلق النفس الحيوانية بما لها من الخصوصيات والغرائز بالإنسان ، لا يرفعه بل ينزله إلى درجة تناسب درجة الحيوانات(١).
وعلى الجملة فالنفس الحيوانية متشخصة بغرائز خاصة هي التمايلات الشهوية والسبعية والإخلاد إلى الأرض والمادة ، فكيف يمكن أن تكون مثل هذه أساسا لتكامل الإنسان وتعاليه ، الذي لا يتحقق له التكامل إلا بتحطيم هذه الغرائز وكسر ثورتها فإن هذا أشبه بجعل وجود الضد شرطا لوجود ضد آخر.
نعم ، هذا الإشكال إنما يتصور في التكامل الصعودي المنفصل المراتب والدرجات دون متصلها كما في تكامل الإنسان في رحم أمه من الجمادية إلى النفس الإنسانية ، في ظل صور متوالية متتالية دون أن يقع بينها انفصال.
وعلى كل تقدير فهذا القسم من التناسخ باطل في نفسه ، وإن كان لا يصادم القول بالمعاد وحشر الإنسان في النشأة الأخرى ، بخلاف القسمين السابقين ، فإن الأول منهما على طرف النقيض من المعاد مطلقا والقسم الثاني على طرف النقيض منه في مورد غير الكاملين من النفوس الإنسانية.
* * *
تحليل جامع للقول بالتناسخ
قد تعرفت على أقسام التناسخ والبراهين التي تهدم أساس كل واحد منها ،
__________________
(١) لاحظ الأسفار ، ج ٩ ، ص ٢٣.