اقترافها ، فلو كان إذعانهم كإذعان سائر الناس ، لما امتازوا عنهم بالعصمة عن المعصية.
وما ذكروه من أنّ الزيادة تستعمل في الكمية العددية ، فهو منقوض بآيات كثيرة استعملت فيها الزيادة في غيرها ، قال سبحانه : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ ، وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (١) وقال سبحانه : (وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً) (٢) والمراد شدة خشوعهم ، وشدة نفورهم ، لا كثرة عددهما. وغير ذلك من الآيات التي استعمل فيها ذلك اللفظ فيما يرجع إلى الكيفية لا الكمية.
٢ ـ قوله سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (٣). والمراد من الإيمان ، صلاتهم إلى بيت المقدس قبل أن ينسخ بالأمر باستقبال الكعبة (٤).
يلاحظ عليه : إنّه لو أخذ بظاهر الآية ، فيجب أن يكون الإيمان نفس العمل ، وهو مجمع على خلافه.
أضف إلى ذلك أنّه استعمل الإيمان وأريد منه العمل في المقام ، والاستعمال أعم من الحقيقة ، ولا شك أنّ العمل أثر الإيمان ورد فعل له ، فمن الشائع إطلاق السبب وإرادة المسبب.
٣ ـ قوله سبحانه : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥).
أقسم سبحانه بنفسه أنّهم لا يؤمنون إلا بتحكيم النبي والتسليم بحكمه ، وعدم وجدان الحرج في قضائه. والتحكيم غير التصديق ، بل هو عمل خارجي (٦).
__________________
(١) سورة الإسراء : الآية ١٠٩.
(٢) سورة الإسراء : الآية ٤١.
(٣) سورة البقرة : الآية ١٤٣.
(٤) البحار ، ج ٦٦ ، ص ١٨.
(٥) سورة النساء : الآية ٦٥.
(٦) الفصل ، ج ٣ ، ص ١٩٥.