يلاحظ عليه : إنّ الآية وردت في شأن المنافقين ، فإنهم كانوا يتركون النبي ويرجعون في دعاويهم إلى الأحبار ، وهم مع ذلك يدّعون الإيمان والإذعان والتسليم للنبي. فنزلت الآية بأنه لا يقبل منهم ذلك الادعاء حتى يرى أثر الإيمان في حياتهم ، وهو تحكيم النبي في المرافعات ، والتسليم العملي أمام قضائه ، وعدم إحساسهم بالحرج ، وهذا هو الظاهر من الآية ، لا أنّ التحكيم بما أنّه عمل ، جزء من الإيمان. وهذا نظير ما إذا ادّعى إنسان حبّا لرجل فيقال له : إن كنت صادقا فيجب أن يرى أثر الحب في حياتك ، فاعمل له كذا وكذا.
٤ ـ قوله سبحانه : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١). فسمى سبحانه تارك الحج كافرا (٢).
يلاحظ عليه : إنّ المراد كفران النعمة ، حيث إن ترك فريضة الحج مع الاستطاعة ، كفران لنعمته سبحانه ، وقد استعمل الكفر في مقابل شكر النعم ، قال سبحانه : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٣).
كما ربما يكون المراد من الكفر جحد وجوب الحج.
وغير ذلك مما استدلوا به من الآيات. وأنت إذا احطت بما ذكرنا ، تقدر على الإجابة عن استدلالهم بها (٤).
نعم ، هناك روايات عن أئمة أهل البيت عليهمالسلام تعرب عن كون العمل جزء من الإيمان ، نظير قول الصادق عليهالسلام : «ملعون ، ملعون من
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ٩٧.
(٢) البحار ، ج ٦٦ ، ص ١٩.
(٣) سورة إبراهيم : الآية ٧.
(٤) مثل قوله سبحانه : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة : ٥). مستدلين بأنّ المشار إليه بلفظة «ذلك» ، جميع ما ورد بعد الأمر ، من عبادة الله سبحانه بالإخلاص وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، استدل به ابن حزم في الفصل ، ج ٣ ، ص ١٩٤. وقد أجاب عنه الأستاذ دام ظله في الجزء الثالث من بحوثه في الملل والنحل ، فلاحظ.