مباحث المعاد
(١٤) التوبة وشرائطها
إن التوبة من المكفّرات التي نص الكتاب والحديث على تكفير الذنوب بها ، تحت شرائط خاصة ، وإشباع الكلام فيها يتم بالبحث في أمور :
الأمر الأول ـ فلسفة التوبة
ربما يتوهّم أنّ في تشريع التوبة والدعوة إليها إغراء بالمعصية وتحريضا على ترك الطاعة ، بدعوى أنّ الإنسان إذا أيقن أنّه سبحانه يقبل توبته رغم اقترافه المعاصي ، تزيد جرأته على هتك الحرمات ، والانهماك في الذنوب ، فيدقّ باب كل قبيح ، معتمدا على التوبة.
ولكنه توهم ساقط من أصله ، فإنه لو كان باب التوبة موصدا في وجه العصاة ، واعتقد المجرم بأنّ العصيان مرّة واحدة ، يدخله في عذاب الله ، فلا شكّ أنّه سيتمادى في اقتراف السيئات وارتكاب الذنوب ، معتقدا بأنه لو غيّر حاله إلى الأحسن ، لما كان له تأثير في تغيير مصيره ، فلأي وجه يترك لذات المحرمات في ما يأتي من أيام عمره. وهذا بخلاف ما لو اعتقد بأنّ الطريق مفتوح والنوافذ مشرعة ، وأنّه لو تاب توبة نصوحا ينقذ من عذابه سبحانه ، فهذا يعطيه الأمل برحمة الله تعالى ويترك العصيان في مستقبل أيامه. وكم وكم من الشباب عادوا إلى الصلاح بعد الفساد في ظل الاعتقاد بالتوبة ، بحيث لو لا ذلك الاعتقاد لأسهروا لياليهم في المعاصي ، بدل الطاعات.