ولأجل ذلك نرى في التشريعات الجنائية العالمية قوانين للعفو عن السجناء المؤبّدين ، إذا شوهدت منهم الندامة والتوبة ، وتغيير السلوك ، فتشريع هذا القانون يكون موجبا لإصلاح السجناء ، لا تقوية روح الطغيان فيهم. فالإنسان حيّ برجائه ، ولو ساد عليه اليأس والقنوت من عفوه ورحمته سبحانه ، لزاد في طغيانه في عامة أدوار عمره.
الأمر الثاني ـ حقيقة التوبة
إنّ التوبة كما يستفاد من الآيات والروايات حالة نفسانية مؤثّر في النفس فتصلحها وتعدها للصلاح الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة. ومن المعلوم أنّ هذه الغاية لا تحصل إلا بتحقق أمرين :
١ ـ الندم على ما مضى.
٢ ـ العزم على عدم العودة إليه إذا قدر.
فلو انتفى الأمران أو أحدهما لما حصلت تلك الحالة المؤثرة في صلاح النفس وإعدادها لكمالات أخرى ، فيلزم في التوبة وجود هذين الأمرين ، سواء أقلنا : إنّ التوبة مركبة منهما وأنّ كل واحد منهما جزء لها ، كما نقل عن أبي هاشم الجبائي ، أو قلنا : إنّ التوبة أمر بسيط هو الندم على ما مضى ، وأما العزم فهو من شروطها ولوازمها ، كما عليه الشيخ المفيد (١) ، فإن هذا نزاع لفظي لا ثمرة له إلا في موارد نادرة ، كما إذا ندم على ما سلف من القبيح ومنع من العزم ، فعلى القول الأوّل لم تتحقق التوبة دون الثاني.
وهناك كلام للإمام أمير المؤمنين حول التوبة ، وقد سمع من بحضرته يقول : أستغفر الله ، فقال : أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العلّيّين ، وهو اسم واقع على ستة معان :
أوّلها : الندم على ما مضى.
__________________
(١) أوائل المقالات ، ص ٦١.