والدليل الثاني لا يفيد إلّا وجوب العزم وهو أحد جزئي التوبة أو شرطها.
وكيف كان ، فكل من قال بالحسن والقبح العقليين ، لا مناص له عن القول بوجوب التوبة وجوبا عقليا ، وما جاء من طريق السمع يكون مرشدا إلى هذا الحكم العقلي.
وأما المنكرون لهما ، فيذهبون إلى وجوبها شرعا ، قال سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) (١).
الأمر الرابع ـ هل تجب التوبة من الصغائر؟
إنّ ارتكاب أي معصية ، صغيرة كانت أو كبيرة ، جرأة على الله وخروج عن رسم العبودية وزيّ الرّقيّة ، وهي تترك أثرا سيئا في النفس بلا ريب ، فيجب التوبة منها لإزالة أثرها من النفس. وإليه ذهب أبو علي الجبائي ، من المعتزلة ، ولكن الظاهر من ابنه أبي هاشم ، عدم وجوب التوبة من الصغائر إلّا سمعا ، واختاره القاضي عبد الجبار ، قائلا بأنّ التوبة إنّما تجب لدفع الضرر عن النفس ، ولا ضرر في المعصية ، فلا تجب التوبة منها ، غاية الأمر أنّ للصغيرة تأثير في تقليل التواب ، ولا ضرر في ذلك (٢).
يلاحظ عليه : إنّ ما ذكر مبني على أمرين غير ثابتين :
أ ـ أنّ المعاصي بالذات تنقسم إلى صغائر وكبائر ، وأنّ صغر المعاصي وكبرها ليس من الأمور الإضافية النسبية ، بل هناك صنفان من المعاصي لا يتداخل أحدهما في الآخر.
ب ـ أنّ المعاصي الصغيرة لا يعاقب عليها ما لم يكن عليها إصرار.
وكل ذلك مورد تأمّل وتردد.
__________________
(١) سورة التحريم : الآية ٨.
(٢) شرح الأصول الخمسة ، ص ٧٨٩.