أضف إلى ذلك : أنّ وجه تشريع التوبة ليس منحصرا بالاجتناب عن العذاب حتى يقال : إنّه لا عقاب على الصغيرة ، بل قد عرفت أنّ الوجه فيها ـ مضافا إلى الخلاص من العذاب ـ حسن الندم على كل قبيح أو إخلال بالواجب ، وقبح العزم على الاستدامة ، وهذا مشترك بين الصغيرة والكبيرة.
وبذلك يظهر الجواب عما ربما يقال من أنّ عقاب الصغيرة مكفّر باجتناب الكبيرة إذا لم يصر عليها ، لقوله سبحانه :
(إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (١).
وعندئذ ، لا يحتاج إلى التوبة منها ، لما عرفت من أنّ وجه التوبة لا ينحصر بالخلاص من العذاب.
الأمر الخامس ـ التوبة واجب فوري
يحكم العقل بوجوب التوبة فورا ، لأنها اجتناب عن القبيح بقاء ، وترك للعدوان استدامة ، ومثل ذلك لا يصح فيه التأخير والتراخي.
أضف إلى ذلك أنّ العقل يحرّض على التوبة فورا ففورا ، لئلا يفوت أوانها ويكون ممّن لا تقبل توبته قال سبحانه :
(وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ ، حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ، أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٢).
وما ذكرناه هو خيرة المعتزلة أيضا حيث قالوا بفورية الوجوب وأنّه يلزم بتأخيرها ساعة إثم آخر يجب التوبة منه أيضا ، حتى أن من أخّر التوبة عن الكبيرة ساعة واحدة ، فقد فعل كبيرتين ، وساعتين أربع كبائر ، الأوليان ، وترك التوبة
__________________
(١) سورة النساء : الآية ٣١. وقد نقله العلامة المجلسي عن الشيخ البهائي ، لاحظ البحار ، ج ٦ ، ص ٤٨.
(٢) سورة النساء : الآية ١٨.