هذا ، وإنّ المتبادر من الآيات والروايات أنّ التوبة بنفسها مسقطة للعقاب ، يقول سبحانه : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١) فإنّ الظاهر منه أنّ نفس التوبة تجرّ الغفران ، وغير ذلك من الآيات ، وهذا الأمر من المسائل القرآنية الواضحة.
وأما حقوق الله ، فيتبع هناك لسان الدليل الشرعي ، فربما تكون التوبة مسقطة للحدّ كما في قوله سبحانه :
(إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ* إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٢). فالاستثناء صريح في أنّ التوبة تسقط الحدّ الوارد في الآية.
قال المحقق الحلّي : «إنّ شارب الخمر إذا تاب قبل قيام البينة ، يسقط الحد ، وإن تاب بعدها لم يسقط» (٣).
وقال : «إذا تاب اللائط قبل قيام البيّنة سقط الحدّ ، ولو تاب بعده لم يسقط» (٤).
الأمر السابع ـ قبول التوبة واجب على الله أولا؟
لا شكّ أنّ التوبة تسقط العقاب ، وهو مما أجمع عليه أهل الإسلام. وإنما الخلاف في أنّه هل يجب على الله قبولها بحيث لو عاقب بعد التوبة كان ظالما ، أو هو تفضل منه سبحانه ، وكرم ورحمة منه بعباده؟
__________________
(١) سورة الأنعام : الآية ٥٤.
(٢) سورة المائدة : الآيتان ٣٣ و ٣٤.
(٣) شرائع الإسلام ، كتاب الحدود ، الباب الرابع في حدّ المسكر.
(٤) المصدر السابق ، الباب الثاني ، في أحكام اللواط.