مع أنّك قد عرفت عند البحث عن أثر التوبة أنّ التوبة بنفسها هي المسقطة للعقاب ، فلاحظ.
الأمر التاسع ـ هل تصحّ التوبة من قبيح دون قبيح؟
اختلفت كلمتهم في أنه هل يصح الندم من قبيح دون قبيح؟
فقال أبو علي : إنّه تصح ما لم يصر على شيء من ذلك الجنس ، فلو أنّه تاب من شرب الخمر وأصرّ على الزنا كانت توبته عن الأول توبة نصوحا صحيحة ، وأما إذا أصرّ على شيء من ذلك الجنس لم تصح توبته. وذلك كما أنّه لو تاب عن شرب هذا القدح من الخمر مع إصراره على شرب قدح آخر ، فلا إشكال في أن لا تصح توبته هذه (١).
وقال أبو هاشم : إنّه لا تصح التوبة عن بعض القبائح مع الإصرار على بعض ، واختاره القاضي عبد الجبار ، واستدل عليه بأنّ التوبة عن القبيح يجب أن يكون ندما عليه لقبحه ، وعزما على أن لا يعود إلى أمثاله في القبح. وإذا كان هذا كذلك ، فليس تصح توبته عن بعض القبائح مع الإصرار على البعض ، إذ ليس يصح أن يترك أحدنا بعض الأفعال لوجه ، ثم لا يترك ما سواه في ذلك الوجه ، ألا ترى أنّه لا يصح أن يتجنّب سلوك طريق لأن فيها سبعا ، ثم لا يتجنب سلوك طريق أخرى فيها سبع. وكذلك لا يصح أن لا يتناول طعاما لأنّ فيه سما ، ثم يتناول طعاما آخر مع أنّ فيه سما (٢).
يلاحظ عليه : إنّ الأفعال القبيحة تختلف شدة وضعفا ، وإن كانت تشترك في كونها عدوانا على الله وخرقا لحدوده ، ولكنها مع ذلك تختلف في جهات القبح ، وعلى ذلك فربما يوجد داع إلى الندم في بعض القبائح دون الأخرى ، وذلك بأن يقترن ببعض القبائح قرائن زائدة كعظم الذنب ، أو كثرة الزواجر عنه ، أو الشناعة على فعله عند العقلاء ، دون قبائح أخرى ، فعندئذ ربما يرجح الندم
__________________
(١) شرح الأصول الخمسة ، ص ٧٩٥.
(٢) شرح الأصول الخمسة : ص ٧٩٥.