وفيما يلي البحث في كل واحدة منها (١).
* * *
الأمر الأول : آيات الشفاعة وتصنيفها
قد ورد ذكر الشفاعة في الكتاب الحكيم في سور مختلفة ، لمناسبات شتّى. ولا يظهر المراد من المجموع إلا بعرض بعضها على بعض ، وتفسير الكل بالكل ، والآيات الواردة في الشفاعة تندرج تحت الأصناف التالية :
الصنف الأول : ما ينفي الشفاعة في بادئ الأمر.
يقول سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢).
وهذا الصنف من الآيات هو المستمسك لمن اعتقد بأنّ الشفاعة عقيدة اختلقها الكهّان (٣) ، وسيوافيك أنّ المنفي قسم خاص منها لا جميع أقسامها بقرينة أنّ المنفي قسم من أواصر الخلة لا جميعها ، بشهادة قوله سبحانه : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (٤).
الصنف الثاني : ما يردّ الشفاعة المزعومة لليهود.
يقول سبحانه : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ ، وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) (٥).
والآية خطاب لليهود ، وهي تهدف إلى نفي الشفاعة المزعومة عندهم ، حيث كانوا يقولون نحن أولاد الأنبياء وأولادنا يشفعون لنا ، فصار ذلك ذريعة
__________________
(١) التفصيل في هذه الأمور يحوجنا إلى تأليف مفرد ، ولذا اقتصرنا في البحث على ما يناسب وضع الكتاب.
(٢) سورة البقرة : الآية ٢٥٤.
(٣) لاحظ دائرة معارف القرن الرابع عشر ، ص ٤٠٢ ، مادة شفع.
(٤) سورة الزخرف : الآية ٦٧.
(٥) سورة البقرة : الآية ٤٨.