الأمر الثالث : حقيقة الشفاعة وأقسامها
للشفاعة أصل واحد يدل على مقارنة الشيئين ، من ذلك الشفع ، خلاف الوتر ، تقول كان فردا فشفّعته (١).
فإذا كان مقوّم الشفاعة ، انضمام شيء إلى شيء في مقام التأثير ، فهي تنقسم الى الأقسام التالية :
شفاعة تكوينية ، شفاعة قيادية ، وشفاعة مصطلحة بين الناس.
١ ـ الشفاعة التكوينية
قد عرفت في مباحث التوحيد أنّ المظاهر الكونية ، بحكم أنّها ممكنة الوجود ، غير مستقلة في ذاتها ، ولكنها مع ذلك قائمة على أساس علل ومعاليل سائدة فيها.
وعلى ضوء ذلك فتأثير كل ظاهرة كونية في أثرها ، ومعلولها ، بإذنه سبحانه ، ولا يتحقق إلّا مقترنا به ، ولأجل ذلك سمّى سبحانه السبب الكوني ، شفيعا ، لأنّ تأثيره مشروط بأن يكون إذنه سبحانه منضما إليه ، فيؤثّران معا. يقول سبحانه : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢) والمراد من الشفيع هو الأسباب والعلل المادية الواقعة في طريق وجود الأشياء وتحقّقها. وإنّما سميت العلة شفيعا ، لأجل أنّ تأثيرها يتوقف على إذنه سبحانه ، فهي مشفوعة إلى إذنه ، حتى تؤثّر وتعطي ما تعطي.
__________________
كنز العمال ، ج ٤ ، ص ٦٣٨ ـ ٦٤٠. التاج الجامع للأصول ، ج ٥ ، ص ٣٤٨ ـ ٣٦٠. بحار الأنوار ، ج ٨ ، ص ٢٩ ـ ٦٣ ، وقد أورد أحاديث الشفاعة في غير هذا الجزاء أيضا. وقد جمع الأستاذ دام ظله القسط الأوفر من أحاديث الشفاعة في موسوعته القرآنية : «مفاهيم القرآن» ج ٤ ، ص ٢٨٧ ـ ٣١١.
(١) المقاييس ، ج ٣ ، ص ٢٠١.
(٢) سورة يونس : الآية ٣.