وبالإمعان فيما ذكرنا من وقوع الدعاء في سلسلة العلل ، تقدر على إرجاع الشفاعة المصطلحة إلى قسم من الشفاعة التكوينية بمعنى تأثير دعاء النبي في جلب المغفرة.
* * *
الأمر الرابع ـ مبررات الشفاعة
ربما يقال : إذا كان المنقذ الوحيد للإنسان يوم القيامة ، هو عمله الصالح ، كما هو صريح قوله سبحانه : (وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى) (١) ، فلما ذا جعلت الشفاعة وسيلة للمغفرة؟.
والجواب عن ذلك : إنّ لتشريع الشفاعة مبررات عدة ، نذكر منها اثنتين :
الأول ـ الحاجة إلى رحمة الله الواسعة حتى مع العمل
إنّ الفوز بالسعادة وإن كان يعتمد على العمل أشد الاعتماد ، غير أنّ صريح الآيات هو أنّ العمل ما لم تنضم إليه رحمة الله الواسعة ، غير كاف في إنقاذ الإنسان من تبعات تقصيره.
قال سبحانه : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) (٢).
وقال سبحانه : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ)(٣).
__________________
(١) سورة الكهف : الآية ٨٨.
(٢) سورة النحل : الآية ٦١.
(٣) سورة فاطر : الآية ٤٥.