الثاني ـ الآثار التربوية للشفاعة
بالرغم مما اعترض على الشفاعة من كونها توجب الجرأة ، وتحيي روح التمرد في العصاة والمجرمين ، فإنّ الشفاعة تتسبب في إصلاح سلوك المجرم وإنابته والتخلّي عن التمادي في الطغيان. وتظهر حقيقة الحال إذا لاحظنا مسألة التوبة التي اتفقت الأمة على صحتها ، فإنه لو كان باب التوبة موصدا في وجه العصاة والمذنبين ، واعتقد المجرم بأنّ عصيانه مرة واحدة يخلّده في عذاب الله ، فلا شكّ أنّه يتمادى في اقتراف السيئات باعتقاد أنّ تغييره للوضع الذي هو عليه لن يكون مفيدا في إنقاذه من عذاب الله ، فلا وجه لأن يترك لذات المعاصي. وهذا بخلاف ما إذا وجد الجو مشرقا ، والطريق مفتوحا ، وأيقن أنّ رجوعه يغير مصيره في الآخرة ، فيترك العصيان ويرجع إلى الطاعة.
ومثل التوبة الاعتقاد بالشفاعة المحدودة (أي مع شروط خاصة في المشفوع له) فإذا اعتقد العاصي بأن أولياء الله قد يشفعون في حقه إذا لم يهتك الستر ، ولم يبلغ إلى الحد الذي لا تكون فيه الشفاعة نافعة ، فعند ذلك ، ربما يعيد النظر في مسيره ، ويحاول تطبيق حياته على شرائط الشفاعة ، حتى لا يحرمها.
نعم ، الاعتقاد بالشفاعة المطلقة المحررة من كل قيد ، مرفوض في منطق العقل والقرآن. والمراد من المطلقة هو أنّ الأنبياء يشفعون للإنسان يوم القيامة ، وإن فعل ما فعل ، إذ عند ذلك يستمر ويتمادى في أعماله الإجرامية. وأما الشفاعة المحدودة بشرائط في المشفوع له والشافع ، فلا توجب ذلك.
ومجمل هذه الشروط أن لا يقطع الإنسان جميع علاقاته العبودية مع الله ، ووشائجه الروحية مع الشافعيين ، ولا يصل تمرده إلى حد نسف جسور الارتباط بهم.
* * *
الأمر الخامس ـ شرائط شمول الشفاعة
قد تعرفت على أنّ الشفاعة المشروعة ، هي الشفاعة المحدودة بحدود ،