فيلاحظ عليه : أنّ الآيتين راجعتان إلى الكفار ، فالآية الأولى ناظرة إلى نفي الشفاعة التي كان اليهود يتنبونها ، كما هو صريح سياقها ، والآية الثانية ناظرة إلى نفي الشفاعة التي كان المشركون يرجونها من معبوداتهم ، يقول سبحانه : (قالُوا وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ* تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ* فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ) (١).
وقال سبحانه : ـ حاكيا قول المجرمين في سقر ـ (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ* فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) (٢).
* * *
الأمر السابع ـ الإشكالات المثارة حول الشفاعة
هناك إشكالات مثارة حول الشفاعة ، ناشئة من قياس الشفاعة الواردة في الشريعة الإسلامية ، بالشفاعة الرائجة بين الناس ، ولو عرف المستشكلون الاختلاف الماهوي بين الشفاعتين ، لما اجترءوا على إلقاء هذه الشبهات.
الإشكال الأول :
إنّ جميع المعاصي تشترك في هدم الحدود والجرأة على المولى ، فأي معنى لشمول الشفاعة لبعض ألوان الجرائم والمعاصي دون البعض الآخر؟.
والجواب :
إن للجرم مراتب ، كما أنّ المجرمين ، على درجات من النفسيات والروحيات ، فلا يستوي من أحرق منديل أحد عدوانا بمن أحرق مصنعا كبيرا له. وفرق بين شاب ينظر إلى المرأة الأجنبية نظرا ممزوجا بالسوء ، وآخر يعتدي
__________________
(١) سورة الشعراء : الآيات ٩٦ ـ ١٠١.
(٢) سورة المدثر : الآيات ٤٦ ـ ٤٨.