الأمر الثامن : هل يجوز طلب الشفاعة؟
قد تعرفت على أنّ أصل الشفاعة أمر مفروغ عنه ، وأنّ المخلصين من عباده يشفعون يوم القيامة بعد إذنه وارتضائه ، لكن يقع الكلام في جواز طلب الشفاعة من الأولياء في هذه النشأة.
فذهب ابن تيمية وتبعه محمد بن عبد الوهاب ـ مخالفين الأمة الإسلامية جمعاء ـ إلى أنّه لا يجوز طلب الشفاعة من الأولياء في هذه النشأة ولا يجوز للمؤمن إلّا أن يقول : اللهم شفّع نبيّنا محمدا فينا يوم القيامة ، ولا يجوز أن يقول : يا رسول الله ، اشفع لي يوم القيامة.
واستدلا على ذلك بوجوه ، لا بأس بذكرها والإجابة عنها على وجه الإجمال.
الوجه الأول : إنّه من أقسام الشرك ، أي الشرك بالعبادة ، والقائل بهذا الكلام ، يعبد الولي (١).
والجواب ، أما نقضا
فبأنّه لو كان طلب الشفاعة في هذه النشأة من الأنبياء والأولياء شركا ، لوجب أن لا يكون هناك فرق بين حياتهم ومماتهم ، مع أنّ القرآن يدعو المؤمنين إلى أن يلجئوا إلى حضرة الرسول في حال حياته ويطلبوا منه أن يستغفر لهم ، يقول سبحانه : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٢). وليس طلب الاستغفار من النبي إلّا طلبا للشفاعة ، إذ ليس معنى قولنا : يا رسول الله اشفع لنا عند الله ، إلّا أدع لنا عند ربك بالخير والمغفرة.
__________________
(١) الهدية السنية ، ص ٤٢.
(٢) سورة النساء : الآية ٦٤.