هذا ، وإنّ القائلين بالإحباط اختلفوا في كيفيته ، فمنهم من قال بأن الإساءة الكثيرة تسقط الحسنات القليلة ، وتمحوها بالكليّة ، من دون أن يكون لها تأثير في تقليل الإساءة ، وهو المحكي عن أبي علي الجبائي.
ومنهم من قال بأن الإحسان القليل يسقط بالإساءة الكثيرة ولكنه يؤثر في تقليل الإساءة ، فينقص الإحسان من الإساءة ، فيجزى العبد بالمقدار الباقي بعد التنقيص ، وهو المنسوب إلى أبي هاشم.
وهناك قول آخر في الإحباط ، وهو عجيب جدا حكاه التفتازاني في شرح المقاصد ، وهو أنّ الإساءة المتأخرة تحبط جميع الطاعات وإن كانت الإساءة أقل منها ، قال : حتى ذهب الجمهور منهم إلى أنّ الكبيرة الواحدة تحبط ثواب جميع العبادات (١).
وعلى هذا ففي الإحباط أقوال ثلاثة :
١ ـ الإساءة الكثيرة تسقط الحسنة القليلة من دون تأثير في تقليل الإساءة.
٢ ـ الإساءة الكثيرة تسقط الحسنة القليلة ، مع تأثير الإحسان في تقليل الإساءة.
٣ ـ أنّ الإساءة المتأخرة عن الطاعات ، تبطل جميع الطاعات من دون ملاحظة القلّة والكثرة.
إذا عرفت موضع النزاع في كلام القوم ، فلننقل أدلة الطرفين :
أدلة نفاة الإحباط
استدل النافون بوجهين : عقلي ونقلي.
أما الوجه العقلي ، فهو أنّ القول بالإحباط يستلزم الظلم ، لأن من أساء وأطاع وكانت إساءته أكثر ، يكون بمنزلة من لم يحسن. وإن كان إحسانه أكثر ،
__________________
(١) شرح المقاصد ، ج ٢ ، ص ٢٣٢.