وقال سبحانه : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ) (١). وقال سبحانه : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) (٢). وكذا اللوح المحفوظ ، كما قال سبحانه : (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (٣). فهذه الآيات تعرب عن عدم شمول الآية إلا لما له وجود دنيوي ، فيتبدل إلى وجود أخروي ، لا ما كان موجودا بوجود أخروي من بدء الأمر.
ويلاحظ على الثالث أنّه مبني على التصوير البطلميوسي للعالم ، وقد أبطل العلم أصله ، فيبطل ما فرع عليه ، فإن الكون وسيع إلى حد لا تحيط به الأرقام والأعداد النجومية.
وعلى ذلك يمكن أن تكون الجنة والنار في ذلك الفضاء الواسع الذي لا يحيط بسعته إلا الله سبحانه ، وليس علينا تعيين مكانهما بالدقة ، كيف والله سبحانه يقول : (عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (٤) ، فلمّا كان المراد من جنة المأوى ، الجنة الموعودة ، فهي عند سدرة المنتهى ، وقد سئل ابن عباس عن سدرة المنتهى ، فقال : «إليها ينتهي علم كل عالم ، وما وراءها لا يعلمه إلّا الله» (٥). فإذا كانت سدرة المنتهى هي منتهى علم البشر ، فلن يصل علمهم إلى الجنة الموعودة التي هي عندها ، ولا يمكن لأحد تعيين مكانها ، بل غاية ما يمكن قوله هو أنّهما مخلوقتان موجودتان في هذا الكون غير المتناهي طولا وعرضا.
وأما قوله سبحانه : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ، أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) (٦) ، فليس المراد من العرض فيه ما يضاد الطول ، بل هو بمعنى السعة ، والآية بصدد بيان سعة الجنة كما لا يخفى.
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ١٩٨.
(٢) سورة الحجر : الآية ٢١.
(٣) سورة ق : الآية ٤.
(٤) سورة النجم : الآيتان ١٤ ـ ١٥.
(٥) الدر المنثور ، ج ٦ ، ص ١٢٥.
(٦) سورة الحديد : الآية ٢١.