منهم بشرط أن يكون القلب مطمئنا بالإيمان. فلو كانت مداراة الكافرين في بعض الظروف نفاقا ، فلم رخّصه الإسلام وأباحه ، وقد اتفق المفسرون على أنّ الآية نزلت في جماعة أكرهوا على الكفر ، وهم عمّار وأبوه ياسر وأمّه سميّة ، وقتل أبو عمار وأمّة ، وأعطاهم عمّار بلسانه ما أرادوا منه. ثم أخبر سبحانه بذلك رسول الله ، فقال قوم كفر عمار ، فقال صلوات الله عليه وآله : «كلّا ، إنّ عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه». وجاء عمار إلى رسول الله وهو يبكي ، فقال : «ما وراءك»؟ فقال : «شرّ يا رسول الله ، ما تركت حتى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير». فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول : «إن عادوا لك فعد لهم بما قلت» فنزلت الآية (١).
نعم ، شذت عن المسلمين جماعة الخوارج فمنعوا التقية في الدين مطلقا ، وإن أكره المؤمن وخاف القتل ، زاعمين أنّ الدين لا يقدّم عليه شيء (٢).
وما ذكروه اجتهاد في مقابل النص ، فإنّ الآية تصرح بأنّ من نطق بكلمة الكفر مكرها ، وقاية لنفسه من الهلاك ، لا شارحا بالكفر صدرا ، ولا مستحسنا للحياة الدنيا على الآخرة ، لا يكون كافر بل يعذّر ، كما عذّر الصحابي الذي قال له مسيلمة الكذاب : أتشهد أنّي رسول الله ، قال : نعم ، فتركه ، وقتل رفيقه الذي سأله هذا السؤال ورفضه (٣).
كيف ، وربما يترتب على التقية ومجاراة أعداء الدين ومخالفي الحق ، حفظ مصالح الإسلام والمسلمين. وبذلك يظهر الفرق بين النفاق والتقية ، فإن بين الأمرين فرقا جوهريا لا يخلط أحدهما بالآخر.
إنّ التقية والنفاق يختلفان من وجهين ، وربما يكون الفرق أكثر من ذلك ، ولكن نكتفي بهما :
__________________
(١) مجمع البيان ، ج ٣ ، ص ٣٨٨ ، ونقله غير واحد من المفسرين.
(٢) المنار ، ج ٣ ، ص ٢٨٠.
(٣) المصدر السابق ، ص ٢٨١.