وأما المنافق فإنما يلجأ إلى النفاق ، لا لتلك الغايات المقدّسة ، وإنما يريد أن يتدخل في شئون المسلمين ، ويقلب ظهر المجن عليهم في الظروف القاسية أو يشترك معهم في المناصب ، والمقامات والغنائم والأموال وغير ذلك مما تلتذ به النفوس الحريصة ، ولأجل ذلك يعدّ سبحانه عبد الله بن أبيّ وأنصار حزبه من المنافقين وإن تظاهروا بالإيمان. يقول سبحانه: (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ ، إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١).
ويقول سبحانه : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢).
سؤال وجواب
أما السؤال ، فهو : إنّ الآيتين راجعتان إلى تقيّة المسلم من الكافر ، ولكن الشيعة تتقي إخوانهم المسلمين ، فكيف يستدل بهما على صحة عملهم؟.
وأما الجواب ، فهو : إنّ الآيتين وإن كانتا لا تشملان تقية المسلم من أخيه المسلم بالدلالة اللفظية ، ولكنهما تشملان غير مورد هما بنفس الملاك الذي سوّغ تقية المسلم من الكافر فإن وجه تشريع التقية هو صيانة النفس والعرض والمال من الهلاك والدمار ، فإن كان هذا الملاك موجودا في غير مورد الآية فيجوز ، أخذا بوحدة المناط. وقد كان عمل الشيعة على التقية منذ تغلّب معاوية على الأمة ، وابتزازه الإمرة عليها بغير رضا منها ، وصار يتلاعب بالشريعة الإسلامية حسب أهوائه ، وجعل يتتبع شيعة علي ويقتلهم تحت كل حجر ومدر ، ويأخذ على الظنة والتهمة. وسارت على طريقته العوجاء الدولة المروانية ، ثم العباسية ، فزادتا في الطين بلة ، وفي الطنبور نغمة. هذا وذاك ، اضطر الشيعة إلى كتمان أمرها تارة ، والتظاهر به أخرى ، زنة ما تقتضيه مناصرة الحق ، ومكافحة الضلال ، وما يحصل به إتمام الحجة.
__________________
(١) سورة المنافقون : الآية ١.
(٢) سورة التوبة : الآية ٩٨.