فهذه طوائف عشر من الصحابة الذين يمجدهم أهل السنة بوصف العدالة ، وأنّ في الاقتداء بكل واحد منهم ، الهداية إلى الصراط المستقيم. ولا أظن أنّ من سبر هذه الآيات وأمعن فيها يجرؤ على ذلك الادعاء ، بل سوف يرجع ويقول إنّ كثيرا ممن تشرّفوا بصحبة النبي ، ما عرفوا قدرها ، وكفروا بنعمة الله تبارك وتعالى ، فبدلا من أن يستثمروا هذه النعمة ، فيكونوا في الجبهة والسنام من العدالة ، وخسروا أنفسهم وخسروا غيرهم ممن تبعهم.
إنّ التشرف بصحبة النبي لم يكن بأشدّ ولا أقوى من صحبة امرأة نوح وامرأة لوط لزوجيهما ، فما أغنتاهما عن الله شيئا ، قال سبحانه : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) (١).
وإن التشرف بصحبة النبي لم يكن أكثر امتيازا وتأثيرا من التشرف بالزواج من النبي وقد قال سبحانه في أزواج النبي : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٢). وليس الخطاب من قبيل إياك أعني واسمعي يا جارة ، بل الخطاب خاص بهنّ بشهادة قوله : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) ، فإن غيرهن لا يضاعف لهن العذاب.
إنّ تأثير الصحبة لم يكن تأثيرا كيميائيا ، كتأثير بعض المواد في تحويل عنصر كالنحاس إلى عنصر آخر كالذهب ، بل كان تأثيرها تأثيرا شبيها بتأثير المعلم في التلميذ ، والمرشد في المسترشد ، ومن المعلوم أن مثل هذا يؤثّر في جمع من الأمّة لا في كلهم. فمن البعيد جدا أن يكون للصحبة ثورة عارمة في قلب شخصيات الصحابة التي نشأت وترعرعت في العصر الجاهلي ، وتربت على السنن السيئة ، إلى شخصيات تعدّ مثلا للفضل والفضيلة ، من دون أن يشذّ منهم شاذ ، فتصبح الألوف المؤلّفة التي تربو على مائة ألف مع اختلافهم في الأعمار والقابليات ، رجالا
__________________
(١) سورة التحريم : الآية ١٠.
(٢) سورة الأحزاب : الآية ٣٠.