الأمر الثامن
هل الشورى أساس الحكم والخلافة؟
قد تعرفت على الكلمات السابقة التي تعرب عمّا تنعقد به الإمامة عند أهل السنّة ، كما تعرفت على كيفية خلافة الخلفاء ، وأنّ الأول منهم فاز بخمسة أصوات (١) ، وأنّ الثاني أخذ بزمام الحكم بتعيين الخليفة الأول ، وأنّ الثالث استتب له الأمر بشورى سداسية عيّنها نفس الخليفة الثاني. هذا هو واقع الأمر ، ولم يكن في انتخاب هؤلاء ما يقتضيه طبع التشاور من عرض الموضوع على أهل المشورة ، ومناقشة الآراء ، وانتخاب واحد في ضوء الموازين العقلية والاجتماعية والشرعية. وأحسن كلمة تعبّر عن حقيقة هذا النوع من الانتخاب ما ذكره الخليفة الثاني بقوله : «إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمّت ، ألا وإنّها قد كانت كذلك ولكن الله وقى شرّها ، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين ، فلا يبايع هو ، ولا الذي بايعه ، تغرّة أن يقتلا» (٢).
وقد حاول المتجددون من متكلمي أهل السنّة ، صبّ صيغة الحكومة الإسلامية على أساس المشورة بجعله بمنزلة الاستفتاء الشعبي ، بملاحظة أنّه لم يكن
__________________
(١) لاحظ ما نقلناه من كلام الماوردي.
(٢) صحيح البخاري ، ج ٨ ، رجم الحبلى من الزنا إذا احصنت ، ص ١٦٨ ، وطالع بقية كلامه.
ولاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ١ ، ص ١٢٣. وج ٢ ، ص ١٩.