الأمر الثاني عشر
صيغة القيادة في الشرائع السابقة
المتبع بين الأنبياء السالفين هو تسليم أمر من قاموا بهدايتهم ، إلى خلفاء صالحين لائقين ، ليتسنى لتلك الأمم في ظل الرعاية والتربية الصحيحة ، التي يتولاها الأوصياء ، أن يستمروا في طريق التكامل والرشد.
نعم ، كان كثير من الأوصياء أنبياء ، ولكن بعضا منهم كانوا أوصياء خاصين ، وهذا يعرب عن أنّ مسألة القيادة والزعامة كانت من الأهمية والخطورة ، إلى حدّ لم يترك أمرها إلى اختيار الناس ونظرهم ، بل كانت تعهد على مدى التاريخ إلى رجال أكفاء ، يعيّنون بالاسم والشخص ، لأنّ تركه يؤدّي إلى الاختلاف والفرقة والفتنة ، وكانت القيادة يتوارثها ، في الغالب أفراد من سلالة الأنبياء والرسل ، خلفا عن سلف ، وإليك بعض الآيات المشعرة بذلك.
قال سبحانه مخاطبا إبراهيم عليهالسلام : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ، قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ، قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١) وليس المراد من الإمامة هنا النبوة ، كما زعمه بعض المفسّرين ، لأنّه إنّما جعله إماما بعد ما كان نبيّا ورسولا ، بشهادة أنّه يطلب هذا المقام لذرّيته ، وإنّما صار ذا ذرّية ، بعد ما كبر وهرم ، قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) (٢). وقد كان نبيّا قبل
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٢٤.
(٢) سورة إبراهيم : الآية ٣٩.