علم الأصول ، فلو رأيت أنّ الجنب يمسّ آية الكرسي ، فقلت له ، لا يمسّنّ آيات القرآن محدث ، يكون دليلا على أنّ الجنب يحرم عليه مسّ القرآن على الإطلاق.
وأمّا منزلة هارون من موسى ، فيكفي في بيانها قوله سبحانه ـ حكاية عن موسى ـ : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) (١) فجاء الجواب :
(قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٢).
إنّ من تتبّع سيرة النبي يجده يصوّر عليّا وهارون كالفرقدين في السماء ، والعينين في الوجه ، لا يمتاز أحدهما في أمّته عن الآخر في أمته بشيء ما ، ومن ذلك :
أ ـ إنّ النبي سمّى أبناء علي كأسماء أبناء هارون ، فسمّاهم حسنا وحسينا ومحسنا ، وقال : إنّما سمّيتهم بأسماء ولد هارون : «شبّر ، وشبير ، ومشبر» (٣).
ب ـ إنّ النبي اتّخذ عليّا أخاه ، وآثره بذلك على من سواه ، تحقيقا لعموم الشّبه بين منازل الهارونيّين من أخويهما ، وحرصا على أن لا يكون ثمة من فارق بينهما. وقد آخى بين أصحابه ، فجاء عليّ عليهالسلام وقال : آخيت بين أصحابك ، ولم تؤاخ بيني وبين أحد؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : أنت أخي في الدنيا والآخرة (٤).
ج ـ أمر بسد أبواب الصحابة من المسجد ، تنزيها له عن الجنب والجنابة ، لكنه أبقى باب علي عليهالسلام ، وأباح له عن الله تعالى ، أن يدخل المسجد جنبا ، كما كان هذا مباحا لهارون ، فدلّل ذلك على عموم المشابهة بين الهارونيّين
__________________
(١) لاحظ سورة طه : الآيات ٢٩ ـ ٣٢ وقوله : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) يدل على اشتراك هارون مع موسى في النبوة كما يدل عليه قوله تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) (سورة مريم : الآية ٥٣) ، ولأجل ذلك استثناها النبي من منزلة هارون من موسى.
(٢) سورة طه : الآية ٣٦.
(٣) مستدرك الحاكم ، ج ٣ ، ص ١٦٥ و ١٦٨.
(٤) سنن الترمذي ، ج ٥ ، ص ٦٣٦ ، الحديث ٣٧٢٠. ومستدرك الحاكم ، ج ٣ ، ص ١٤.