طرق المدنيين والمصريين والعراقيين ، وذلك يوم الخميس ، الثامن عشر من ذي الحجة ، نزل جبرئيل الأمين عن الله تعالى بقوله : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) (١) ، وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة ، فأمر رسول الله أن يرد من تقدم منهم ، ويحبس من تأخّر عنهم ، حتى إذا أخذ القوم منازلهم ، نودي بالصلاة ، صلاة الظهر ، فصلّى بالناس ، وكان يوما حارا ، يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدّة الرمضاء ، فلما انصرف من صلاته ، قام خطيبا وسط القوم على أقتاب الإبل ، وأسمع الجميع رافعا عقيرته ، فقال :
«الحمد لله ، ونستعينه ، ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضلّ ولا مضلّ لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، أمّا بعد :
أيّها الناس ، إنّي أوشك أن ادعى فأجبت ، وإنّي مسئول وأنتم مسئولون ، فما ذا أنتم قائلون»؟.
قالوا : «نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت ، وجهدت ، فجزاك الله خيرا».
قال : «ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمدا عبده ورسوله ، وأنّ جنّته حقّ ، وناره حقّ ، وأنّ الموت حق ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور»؟.
قالوا : «بلى نشهد بذلك».
قال : «اللهم اشهد». ثم قال : «أيّها الناس ، ألا تسمعون؟».
قالوا : «نعم».
قال : فإنّي فرط على الحوض (٢) ، فانظروني كيف تخلفوني في الثقلين».
فنادى مناد : «وما الثّقلان يا رسول الله؟».
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ٦٧.
(٢) أي متقدّمكم إليه.