الأمر الثاني : سند الحديث وتواتره
إنّ حديث الغدير من الأحاديث المتواترة من عصر الرسول الأكرم إلى يومنا هذا ، يقف عليه من سبر كتب الحديث والتاريخ والسّير والكلام والتفسير وغيرها. وما ربما يصدر من كلمات حول الحديث من أنّه من أحاديث الآحاد ، فهو كلام صدر من المغرضين ورماة القول على عواهنه ، من غير تدبّر وتثبت.
إنّ كتب الإمامية في الحديث وغيره ، مفعمة بإثبات قصة الغدير والاحتجاج بمؤداها. فمن مسانيد معنعنة إلى منبثق أنوار النبوة ، إلى مراسيل أرسلها المؤلفون إرسال المسلّم ، وحذفوا أسانيدها لتسالم الفريقين.
وأمّا المحدثون وغيرهم من أهل السنّة فلا يتأخرون عن الإمامية في نقل الحديث والبخوع لصحته ، والركون إليه ، والتصحيح له ، والإذعان بتواتره إلّا شذّاذ تنكبوا عن الطريقة ، وقد ألّف غير واحد من علماء الإسلام كتبا مستقلة ، فلم يقنعهم إخراجه بأسانيد مبثوثة في الكتب ، فدوّنوا ما انتهى إليهم من أسانيده ، وضبطوا ما صحّ لديهم من طرقه ، كل ذلك حرصا على كلاءة متنه من الدثور ، وعن تطرق يد التحريف إليه ، منهم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، صاحب التاريخ والتفسير المعروفين (ت ٢٢٤ ـ م ٣١٠) ، وأبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة (م ٣٣٣) ، وأبو بكر محمد بن عمر بن محمد بن سالم التميمي البغدادي (م ٣٥٥) وغيرهم (١).
ولأجل إيقاف القارئ على اهتمام الصحابة والتابعين ، وتابعي التابعين ، والعلماء ، والأدباء ، والفقهاء ، بنقل الحديث وضبط أسانيده ، نذكر عدد رواته في كل قرن على وجه الإجمال ونحيل التفصيل إلى الكتب المعدّة لذلك.
١ ـ روى الحديث من الصحابة ١١٠ صحابيا ، وطبع الحال يستدعي أن يكون رواته أضعاف المذكورين ، لأنّ السامعين الوعاة له كانوا مائة ألف ، أو يزيدون.
__________________
(١) ذكر شيخنا الحجة العلامة الأميني ، أسماء المؤلفين وخصوصيات كتبهم ، في الجزء الأول ، من غديره ، ص ١٥٢ ـ ١٥٧.