الناس ما يريدونه منه ، فوردوا في بعض السنين ماء ، فأورد بعض بني قطن بن نهشل ـ واسمه بشر بن صبيح ، ويكنى أبا بذّال ـ بعيره حوضا فضربه به رباب بن رميلة بعصا فشجّه ، فكانت بين بني رميلة وبين بني قطن حرب ، فأسر بنو قطن أبا أسماء أبيّ بن أشيم النهشلي ، وكان سيد بني جرول بن نهشل ، وكان مع بني رميلة ، فقال نهشل بن جري : يا بني قطن ، إن هذا لم يشهد شرّكم (١) ، فخذوا عليه أن ينصرف عنكم بقومه ، وأطلقوه ، ففعلوا ، فذهب من قومه بسبعين رجلا ، فلما رأى الأشهب بن رميلة ذلك أصلح بينهم ، ودفع أخاه رباب بن رميلة إليهم ، وأخذ منهم الفتى المضروب ، فلم يلبث أن مات عنده ، فأرسل إلى بني قطن يعرض عليهم الدّية ، واستعانوا بعباد بن مسعود ، ومالك بن ربعيّ ، ومالك بن عوف ، والقعقاع بن معبد ، فقالوا : لا ترضى إلا بقتل قاتله ، وأرادوا قتل الرباب ، فقال لهم : دعوني أصلّي ركعتين فصلّى. وقال : أما والله إني إلى ربي لذو حاجة ، وما منعني أن أزيد في صلاتي إلا أن يروا أنّ ذلك فرق من الموت ، فدفعوه إلى والد المقتول ، واسمه خزيمة فضرب عنقه ، وذلك في الفتنة بعد قتل عثمان ، فندم الأشهب على ذلك ، فقال يرثي أخاه :
أعينيّ قلّت عبرة من أخيكما |
|
بأن تسهر اللّيل التّمام وتجزعا |
وباكية تبكي ربابا وقائل |
|
جزى الله خيرا ما أعفّ وأمنعا |
وقد لامني قوم ونفسي تلومني |
|
بما قال رأيي في رباب وضيّعا |
فلو كان قلبي من حديد أذابه |
|
ولو كان من صمّ الصّفا لتصدّعا (٢) |
[الطويل]
[وذكره المرزبانيّ في «معجم الشّعراء» في حرف الزاي المنقوطة ، وأنشد له ما قاله عند قتله أبا بذّال :
قلت له صبرا (٣) أبا بذّال |
|
تعلّمن والله لا أبالي |
أن لا تؤوب آخر اللّيالي |
|
صبرا (٤) له لغرّة الهلال |
أوّل يوم لاح من شوّال (٥) |
[الرجز]
__________________
ـ لجماعتهم وقيل : الصّمان جبل في أرض تميم أحمر ينقاد ثلاث ليال ليس له ارتفاع وقيل الصمان قرب رمل عالج وقيل هو بلد من بلاد تميم ، والصمان موضع من نواحي الشام بظاهر البلقاء. انظر : مراصد الاطلاع ٢ / ٨٥١ ، ٨٥٢.
(١) في دسركم.
(٢) تنظر الأبيات في مختار الأغاني ١ / ٢٨٤.
(٣) في ب اصبر.
(٤) في ب ضربته لغرة.
(٥) تنظر الأبيات في المختار ١ / ٢٧٢.